تحت عنوان “دقيقة فقهية” نشر المستشار العلمي لمفتي الجمهورية وأمين عام الفتوى الدكتور مجدي عاشور، رده على سؤال تلقاه من شخص يقول: ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟، وهل ما يفعله الناس من مديح وإطعام هو من قبيل البدعة المذمومة؟”.
وأجاب الدكتور مجدي عاشور: “أولًا : سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو أشرف خَلْقِ الله ، وأحبُّ خَلق الله إلى الله ، وهو سيد الناس جميعًا في الدنيا والآخرة ، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : ” أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر ، وأنا أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخر ، وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ولا فخر ، ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ “[أخرجه ابن ماجة]”.
وتابع: “ثانيًا : حثَّ الشرع الشريف على التذكير بالأيام الفارقة والأحداث الكبرى التي تدل على سُنن الله في خلقه ومِنَنِه العظمى عليهم ؛ فقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)[سورة إبراهيم:٥]. ولا يختلف أحدٌ من المسلمين فضلا عن فقهائها وعلمائهم حول شرف وأهمية يوم مولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهو الرحمة المهداة للعالمين ، فنتج عن ذلك شرف التذكير بهذا اليوم العظيم وما برز للكون فيه من النور المبين”.
وأضاف: “ثالثًا : أول من احتفل بيوم المولد الشريف هو سيدنا محمد نفسُهُ صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث سُئل عن سبب صيامه يوم الاثنين ، بل ورغَّبَ أمته في ذلك ، فقال : ” ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ “[رواه مسلم في صحيحه] . واستدلالًا بهذا الحديث قال جماهير العلماء بمشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ؛ بل باستحبابه لِما فيه من معنى التذكير بهذه النعمة العظمى وشُكْر الله تعالى عليها . وعلى ذلك لا تتأتَّى مسألة ” الترك ” ، وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك الاحتفال بيوم مولده الشريف ، فيكون الاحتفال به بدعة ، وهذا مردود بما أوردناه في الحديث السابق الخاص بسبب استحباب صوم يوم الاثنين من كل أسبوع .. إذن فأصل الاحتفال فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم”.
وأشار: “رابعًا : قد يُشْكِل على البعض الحُكْم على طريقة الاحتفال ، وأن ما يحدث هذه الأيام ومنذ ما يقرب من تسعة قرون هو هيئة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا الصحابة رضوان الله عنهم .. وهذا مدفوع بأن الأصل إذا كان مشروعا فلا حرج في الهيئة التي يُفْعَل بها ما دامت من جنس المباح والمشروع ، ولا بأس باختلاف تلك الهيئة باختلاف البيئات والعادات ، ما دامت لا تشتمل على محظور”.
وأوضح: “خامسًا : من الحفاظ والعلماء الذين قالوا بجواز عمل المولد واستحبابه : الحافظ ابن دحية ، والحافظ زين الدين العراقي ، والحافظ ابن حجر العسقلاني ، والحافظ السخاوي ، والحافظ السيوطي ، والفقيه الكبير ابن حجر الهيتمي ، والشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق ، والشيخ العلَّامة محمد الطاهر بن عاشور التونسي المالكي وغيرهم كثير”.
أختتم: “أصل عمل المولد مشروع بل مستحب في أصله ، وأن طريقة الاحتفال به جائزة وتأخذ حكم الاحتفال نفسه في أنه مستحب ، خاصة أن الاحتفال يشتمل على طاعاتٍ شتَّى ؛ من قراءة قرآن وذكر ومديح وتذكير بشمائل سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته العطرة ، والحث على حبه والاقتداء به ، مع إطعام الطعام وإخراج الصدقات”.