تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: أتى رجل زوجته من دبرها فهل تحرم عليه أم لا، مع العلم أنه ندم على ما فعل وعزم ألا يعود إليه مرة أخرى؟
وأجابت دار الإفتاء المصرية عن السؤال قائلة: إن إتيان الرجل زوجته في دبرها أمر منكر وحرام شرعًا؛ لورود الأحاديث الكثيرة عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه في النهي عنه.
وأضافت دار الإفتاء أنه يجب على من ابتلي بهذا الأمر أن يقلع عنه ويتوب إلى الله عما ارتكبه من الإثم.
إتيان الزوجة في دبرها- من خلال فتح الشرج- كبيرة عظيمة من الكبائر؛ سواء في وقت الحيض أو غيره. وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل هذا فقال: “مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَة فِي دُبُرِهَا”. رواه الإمام أحمد في مسنده. وقال عليه السلام: “مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم”. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
والكفر الوارد فيمن أتى حائضاً أو امرأة في دبرها ليس كفراً أكبر مخرجاً عن الملة، ولكنه محمول على التغليظ والتشديد أو على من استحلّ ذلك. قال الترمذي عقب الحديث السابق: “وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّغْلِيظِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ أَتَى حَائِضًا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، فَلَوْ كَانَ إِتْيَانُ الْحَائِضِ كُفْرًا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ”؛ انتهى.
جاء في “تحفة الأحوذي: “الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ الإِتْيَانَ بِاسْتِحْلالٍ وَتَصْدِيقٍ، فَالْكُفْرُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِمَا فَهُوَ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ”.
وذكر ابن القيم في “مدارج السّالكين” ( 335-336 ): “فأما الكفر فنوعان؛ كفر أكبر وكفر أصغر، فالكفر الأكبر: هو الموجب للخلود في النار، والأصغر: موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود، كما في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (اثنتان في أمتي هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة) وقوله صلى الله عليه وسلم : (من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد)”.
كما ذكر ابن قيم الجوزية في كتابه “زاد المعاد” بعض الحِكَم في حرمة إتيان المرأة في دبرها، فقال: “وَأَمَّا الدُّبُرُ: فَلَمْ يُبَحْ قَطُّ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ… وَإِذَا كَانَ اللَّهُ حَرَّمَ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ لأجْلِ الأَذَى الْعَارِضِ، فَمَا الظَّنُّ بِالْحُشِّ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الأَذَى اللازِمِ مَعَ زِيَادَةِ الْمَفْسَدَةِ بِالتَّعَرُّضِ لانْقِطَاعِ النَّسْلِ؟
وَأَيْضًا: فَلِلْمَرْأَةِ حَقٌّ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ، وَوَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا يُفَوِّتُ حَقَّهَا، وَلا يَقْضِي وَطَرَهَا، وَلا يُحَصِّلُ مَقْصُودَهَا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الدُّبُرَ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِهَذَا الْعَمَلِ، وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي هُيِّئَ لَهُ الْفَرْجُ، فَالْعَادِلُونَ عَنْهُ إِلَى الدُّبُرِ خَارِجُونَ عَنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ جَمِيعًا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ ذَلِكَ مُضِرٌّ بِالرُّجُلِ، وَلِهَذَا يَنْهَى عَنْهُ عُقَلاءُ الأَطِبَّاءِ مِنَ الْفَلاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ، لأَنَّ لِلْفَرْجِ خَاصِّيَّةً فِي اجْتِذَابِ الْمَاءِ الْمُحْتَقَنِ وَرَاحَةِ الرَّجُلِ مِنْهُ، وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ لا يُعِينُ عَلَى اجْتِذَابِ جَمِيعِ الْمَاءِ، وَلا يُخْرِجُ كُلَّ الْمُحْتَقَنِ، لِمُخَالَفَتِهِ لِلأَمْرِ الطَّبِيعِيِّ.
كذلك يَضُرُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ إِحْوَاجُهُ إِلَى حَرَكَاتٍ مُتْعِبَةٍ جِدًّا لِمُخَالَفَتِهِ لِلطَّبِيعَةِ.
وأيضا فَإِنَّهُ مَحَلُّ الْقَذَرِ وَالنَّجْوِ، فَيَسْتَقْبِلُهُ الرَّجُلُ بِوَجْهِهِ وَيُلابِسُهُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ جِدًّا، لأَنَّهُ وَارِدٌ غَرِيبٌ بَعِيدٌ عَنِ الطِّبَاعِ، مُنَافِرٌ لَهَا غَايَةَ الْمُنَافَرَةِ. وهو يُحْدِثُ الْهَمَّ وَالْغَمَّ، وَالنُّفْرَةَ عَنِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يُسَوِّدُ الْوَجْهَ، وَيُظْلِمُ الصَّدْرَ، وَيَطْمِسُ نُورَ الْقَلْبِ، وَيَكْسُو الْوَجْهَ وَحْشَةً تَصِيرُ عَلَيْهِ كَالسِّيمَاءِ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى فِرَاسَةٍ.
ويُوجِبُ النُّفْرَةَ وَالتَّبَاغُضَ الشَّدِيدَ، وَالتَّقَاطُعَ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يُفْسِدُ حَالَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَسَادًا لا يَكَادُ يُرْجَى بَعْدَهُ صَلاحٌ، إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ.
كما يَذْهَبُ بِالْمَحَاسِنِ مِنْهُمَا، وَيَكْسُوهُمَا ضِدَّهَا، كَمَا يَذْهَبُ بِالْمَوَدَّةِ بَيْنَهُمَا، وَيُبْدِلُهُمَا بِهَا تَبَاغُضًا وَتَلاعُنًا. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ زَوَالِ النِّعَمِ، وَحُلُولِ النِّقَمِ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ اللَّعْنَةَ وَالْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ وَإِعْرَاضَهُ عَنْ فَاعِلِهِ وَعَدَمَ نَظَرِهِ إِلَيْهِ، فَأَيَّ خَيْرٍ يَرْجُوهُ بَعْدَ هَذَا، وَأَيَّ شَرٍّ يَأْمَنُهُ، وَكَيْفَ حَيَاةُ عَبْدٍ قَدْ حَلَّتْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَمَقْتُهُ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ بِوَجْهِهِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْه؟